تراث العصور الوسطى
إن من الخير أن نختتم بدانتي قصتنا الطويلة المتشعبة، فقد ظهر في القرن الذي توفي فيه أولئك الرجال الذين شرعوا بعدئذ في تحطيم الصرح العظيم صرح الإيمان والأمل الذي عاش فيه: فمن هؤلاء ويكلف Wyclif، وهوس Huss اللذان مهدا السبيل للإصلاح الديني؛ وجيتو Giotto وكريسلاراس Chrysolaras، وبترارك، بوكاشيو الذين بشروا بالنهضة، وقد يبقى إلى زمن طويل خلال تاريخ الإنسان - ذي العدد الكبير والطبائع المختلفة - مزاج من نوع ما في بعض النفوس وبعض الأماكن بعد أن ينشأ المزاج الذي يخلفه أو يناقضه في نفوس وأماكن أخرى. ففي أوربا مثلاً وصل عصر الإيمان إلى عنفوان مجده، في دانتي، ثم أصابته طعنة نجلاء من يد أكام Occam في القرن الرابع عشر؛ ولكنه ظل يغالب والنصف حتى أقبل برونو Bruno وجلليو وديكارت واسبنوزا، وبيكن، وهُبز Hobbs؛ وقد يعود عصر الإيمان إذا ما حلت بعصر العقل كارثة ؛ ولقد بقيت مساحات واسعة تحت شعار الإيمان وسلطانه بينا كانت أوربا الغربية تسير بسفينة العقل في البحار الغير مطروقة. إن العصور الوسطى حال من أحوال الزمان كما هي فترة من فتراته: ومن واجبنا أن نختتمها في أوربا الغربية بكولمبس؛ ولكنها دامت في الروسسيا إلى زمن بطرس الأكبر (المتوفى عام 1725)؛ أما في الهند فلا تزال باقية إلى اليوم.
ولقد نساق إلى التفكير في العصور الوسطى على أنها فترة مجدبة محصورة بين سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب (476) وكشف أمريكا؛ بيد
صفحة رقم : 6289